وقف استيراد سيارات ذوي الهمم: إجراء لضبط السوق أم تضييق على المستحقين؟

وقف مؤقت لاستيراد سيارات ذوي الهمم يكشف عن استغلال كبير في المنظومة
Picture of منار بحيري

منار بحيري

أعلن رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في 24 يوليو الماضي، عن قرار حكومي بوقف مؤقت لاستيراد السيارات المخصصة لذوي الهمم مدة ستة أشهر. يأتي القرار لإعادة النظر في الإجراءات الحالية ووضع ضوابط جديدة تضمن وصول السيارات إلى مستحقيها الفعليين من ذوي الاحتياجات الخاصة، في إطار سعي الحكومة لمكافحة التلاعب التي تشهده المنظومة، إذ تكرر استغلال ظروف ذوي الإعاقة لاستيراد سيارات بأسمائهم ثم بيعها في السوق لتحقيق أرباح متعددة.

وكشف مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، في مقطع فيديو نشره عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، عن تفاصيل خطة الحكومة لضبط منظومة استيراد سيارات ذوي الهمم. موضحًا أن العينة التي فحصتها مصلحة الجمارك بوزارة المالية والجهات المعنية، أظهرت أن 70% إلى 80% من السيارات التي دخلت مصر خلال العامين الماضيين ليست بحوزة ذوي الهمم، بل تم تسجيلها بأسماء أشخاص آخرين.

سبق للحكومة المصرية تأكيد أن قانون سيارات ذوي الهمم، ينص على عقوبات مشددة بحق المخالفين، إذ يتضمن سحب رخص القيادة والسيارات، وغرامات مالية تصل إلى 25 ألف جنيه، كما يحظر القانون التصرف في السيارات المخصصة لهم مدة خمس سنوات من تاريخ الإفراج الجمركي عنها، ويمنع استخدامها كـ سيارة أجرة.

وقبل صدور قرار التوقف، كانت وزارة التضامن الاجتماعي قد حددت مجموعة من الشروط للحصول على السيارة، شملت حالات بتر الأطراف، وإصابة الضمور العضلي، وشلل الأطفال، والتشوهات الخلقية، وحالات الإعاقة الناتجة عن حوادث.

يعلق أسامة أبو المجد – رئيس رابطة تجار السيارات بالغرفة التجارية بالقاهرة-، خلال حديثه إلى زاوية ثالثة، على قرار رئيس الحكومة، موضحًا أن هذا القرار جاء من الحكومة بهدف منع التلاعب واستغلال بعض الأشخاص لـ ذوي الهمم وظروفهم، موضحًا أن تصريح “مدبولي” بأن 80% من الأشخاص من ذوي الهمم لا يعلمون أن هناك سيارات مُسجلة بأسمائهم هو أمر بالغ الخطورة ويجب وضعه على أولويات السلطة، لمحاسبة المخالفين. 

ويبين “أبو المجد” أن هناك نحو 13 ألفًا من سيارات ذوي الهمم التي تم استيرادها بالفعل محتجزة بالجمارك، وأن الحل الأفضل للتعامل مع هذه السيارات هو إخراجها وعدم الترخيص لها، قبل عرضها على لجنة متخصصة لفحص حالة المواطن ومدى أحقيته في استلام ترخيص السيارة.

ويتابع: هناك مشكلة كبيرة وهي التكدس الشديد لسيارات ذوي الهمم في الموانئ، وفي الوقت ذاته هناك من يستحق الحصول على السيارة من ذوي الهمم، ولحل هذه الأزمة والمعضلة دشنت الحكومة لجنة لفحص ومراجعة الملفات، والوقوف على مدى أحقية كل شخص في ترخيص السيارة.

يوضح رئيس رابطة تجار السيارات: “الموانئ تواجه تكدسًا كبيرًا؛ ما يسبب أزمة حقيقية. حاليًا، السفن التي تجلب البضائع من الخارج تتركها في الموانئ، وهذا قد يؤدي إلى تفاقم الأزمة، البضائع المتراكمة تعني تكاليفًا إضافية، إذ يتم فرض رسوم أرضية شهرية على الحاويات”. متساءلًا: هل يمكن للمستوردين تحمّل تكاليف رسوم الأرضية هذه لمدة تصل إلى ستة أشهر؟”. 

ويؤكد “أبو المجد” أنه على الرغم من التأثير السلبي الذي سيطال بعض الأشخاص من ذوي الهمم نتيجة قرار الإيقاف المؤقت لاستيراد السيارات، فإنه كان ضروريًا حتى تحصل الدولة على حقها ويتم تقديم الدعم لمستحقيه، ومنع عمليات التلاعب والاستغلال الخاطئ لظروف الأشخاص من ذوي الهمم.

 “هل من المعقول أن يقوم شخص اليوم بإهدار سبعة ملايين جنيه من أموال الدولة، ويستغل أحد ذوي الهمم بمنحه 20 أو 30 ألف جنيه فقط مقابل الاستيلاء على سيارته؟”. يتساءل “أبو المجد” الذي يؤكد أن الجهات التنفيذية تنفذ حاليًا حملات تفتيش مفاجئة على الأشخاص ذوي الهمم، للتأكد من حيازتهم للسيارات التي تسلموها وأنهم لم يبيعوها مقابل المال، مشيرًا إلى أن تنفيذ هذه الحملات جاء بقرار من  رئيس مجلس الوزراء في إطار خطة الحكومة لمنع التلاعب واستغلال البعض لظروف ذوي الهمم.

ووفقًا للمادة 31 من القانون رقم 10 لعام 2018، فإن سيارات المعاقين معفاة من الجمارك والضرائب، ما يستغله البعض من غير المستحقين للاستفادة من تلك الميزة. حسبما يقول رئيس رابطة تجار السيارات، أسامة أبو المجد. 

 

دعم ذوي الهمم

يُعلَّق جمال سعد، 63 سنة، من سكان مركز البدرشين محافظة الجيزة، ويعاني من إعاقة حركية نتيجة بتر ساقه اليسرى، على قرار رئيس الحكومة، موضحًا أن القرار في رأيه غير مُدروس بشكلٍ كافٍ، ولا يخدم الأشخاص من ذوي الهمم؛ إذ أن أغلبهم ونحو 90% منهم ينتمي إلى الطبقة المتوسطة والفقيرة.

ويقترح أن يتم تمويلهم من البنوك للحصول على سيارة، مع توفير فرصة عمل لهم بهذه السيارة، على أن يحصل البنك على أقساط شهرية بشكل مباشرة من جهة العمل، بعد خصمها من راتب مالك السيارة من ذوي الهمم. 

يضيف: “يجب أن يكون لدى الأشخاص من ذوي الهمم دخل يكفل لهم حياة محترمة وكريمة. نحن نطالب رئيس الوزراء بإنشاء وزارة خاصة بشؤون ذوي الهمم، إضافة إلى توفير مكاتب لهم في كل مركز تشبه مكاتب السجل المدني، تكون مهمتها دراسة مشكلاتهم وتلبية احتياجاتهم.”

يوضح “جمال” أنه ولـ ظروفه المعيشية القاسية اضطر إلى بيع جواب سيارته قبل نحو أربعة أشهر مقابل 45 ألف جنيه، واستغل هذا المبلغ في سداد ديونه؛ إذ أنه لا يجد فرصة عمل بسبب إعاقته، ويحصل على معاش شهري بقيمة 2600 جنيه، كما أن زوجته تعاني من شلل في ساقيها، ولا تعمل، وتحصل فقط على 460 جنيه معاش شهري، و يدفعان شهريًا 1300 جنيه قيمة إيجار شقة بخلاف فواتير استهلاك الكهرباء والمياه والغاز.

يقدر عدد المواطنين من ذوي الهمم في مصر نحو 12 مليون مواطن، أي ما يماثل 15٪ من إجمالي عدد السكان. وتبلغ نسبة الأشخاص العاملين من الأشخاص ذوي الهمم في مصر 44٪، منهم 17٪ من السيدات ذوات الهمم.

يشمل الدستور المصري لعام 2014 العديد من المواد التي تتعلق بشكل مباشر وغير مباشر بالإعاقة؛ إذ تنص المادة 81 منه على أن “تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وثقافيًّا، وترفيهيًّا، ورياضيًّا، وتعليميًّا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالًا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص”. ورفع قانون إعادة التأهيل 39 (1975)، المعدل بموجب القانون 49 (1982) حصة العمالة للعمال المعاقين من 2٪ إلى 5٪.

تروي إيمان الشيخ، ابنة محافظة الإسكندرية، قصة، حصول زوجها أشرف على سيارة لذوي الهمم، موضحة أنه يبلغ من العمر 60 عامًا، يعاني من إعاقة حركية على إثر تعرضه لحادث سير، وأنه حصل على سيارة منذ ثلاث سنوات، وما زالت في ملكيته حتى الآن، وأنه بعد قرار رئيس الحكومة بإيقاف استيراد السيارات مؤقتًا، فوجئت وزوجها بأفراد من مباحث المرور يصلون إلى منزلهما للتأكد من ملكيتهما للسيارة.

وتضيف إيمان: “دون سابق إنذار، أخبرونا أنهم من المرور، وكان معهم قائمة بأسماء الأشخاص من ذوي الهمم، وأرقام السيارات وألوانها وكافة بياناتها، ثم عاينوا حالة زوجي وتأكدوا من أوراقه ورخصتي السيارة والقيادة وقاموا بتصويرها ثم رحلوا، كما تفاجئنا بعدها بأفراد من قسم شرطة آخر يأتون يفعلون الشيء ذاته”.

تعمل إيمان مستخلصة جمارك، وترى أن كل ما يحدث الآن جاء نتيجة انتشار السيارات موديل السنة من الماركات الغالية بكثرة. 

تقول: “في الماضي كانت السيارات المستوردة إلى داخل مصر، متنوعة المستوى وتخدم كافة الفئات؛ لكن في العامين الماضيين، استوردت مصر سيارات من ماركة مرسيدس وبي إم، وبعضها كان لذوي الهمم، وقد استولى عليها بعض من ضباط الشرطة والمستشارين. وذات مرة، ذهبت مع زوجي لتجديد بطاقة الخدمات المتكاملة وفوجئت بإصدار 21 ألف بطاقة خدمات، ما يعني حصول 21 ألف من ذوي الهمم على سيارة جديدة خلال هذا الشهر”.

تعلق موظفة الجمارك على قرار الحكومة الأخير: “قررت الحكومة مواجهة هذه الأزمة، لكن ذلك أحدث تضييقًا على ذوي الهمم، في ظل احتياجهم لبيع جوابات السيارة”.

 

التلاعبات

يصف خالد سعد – الأمين العام لرابطة مصنعي السيارات بالاتحاد العام للغرف التجارية-، قرار الإيقاف بأنه جيد. يقول: “يمنحنا فرصة لإيجاد حلول فعالة. فمن الملاحظ أن حوالي 90% من استخدام هذه السيارات يكون من قبل الأصحاء الذين يساعدون ذويهم من ذوي الهمم أثناء عملية القيادة”. 

 ويطالب في حديثه معنا، بضرورة تصنيع سيارات مجهزة بالكامل لتناسب احتياجات الأشخاص ذوي الهمم، على أن تكون تلك التجهيزات متوافقة مع حالة العجز الخاصة بكل معاق. 

ويشير “سعد” إلى أن هناك العديد من المخالفات التي يرتكبها البعض، سواء من التجار أو المستوردين أو حتى أصحاب الجمعيات. تتمثل الثغرة الأساسية التي يستغلها هؤلاء في عدم وجود آلية دقيقة لفحص الشحنات، للتأكد من مطابقتها للبيانات المُسجلة.

ويضيف أن هذا الأمر يفتح الباب أمام بعض التجار لـ التلاعب بأوراق الشحن وتسجيل سيارات كاملة على أنها قطع غيار. ويستورد بعض التجار سيارات من الخارج و يسجلونها في منظومة الشحن على هيئة قطع غيار؛ ما يسمح لهم بدفع غرامات فقط بدلاً من سداد إجمالي الرسوم الجمركية المفروضة على السيارات. هذا التلاعب يتسبب في العديد من المشكلات، من بينها نزيف العملة الصعبة. ونتيجة هذا النوع من التلاعب، تدرس الحكومة حاليًا تعديل بعض الإجراءات المتعلقة باستيراد سيارات ذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك نتيجة لسوء استغلال البعض لهذه السيارات المخصصة لذوي الهمم.

يوضح أن جزءًا من أزمة أسعار السيارات الحالية يعود إلى لجوء عدد كبير من الأشخاص لشراء أو استخدام سيارات ذوي الهمم. السلطة كانت قد سمحت للمعاقين باستيراد أي موديل من السيارات، مما جعل أسعارها أقل بكثير مقارنة بالسيارات المستوردة للأشخاص الأصحاء. 

هذا القرار أدى إلى زيادة في عدد الأشخاص الذين يبحثون عن ذوي إعاقة للحصول على الأوراق اللازمة ودفع الرسوم، لـ استيراد السيارة من الخارج، نظرًا لتوفير الدولة جمارك مخفضة لذوي الإعاقة عند استيراد السيارات. حسب “سعد”.

 

شكاوى

في الآونة الأخيرة، ظهرت عدد من المجموعات المغلقة التي يتبادل خلالها المواطنون من ذوي الهمم خبراتهم وتجاربهم وشكاويهم. يحكي أحمد رفعت خطّاب، مشكلته على مجموعة “ذوي الاحتياجات الخاصة ومتطلباتهم”، عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”.

 يقول: “بالنسبة لقرار مجلس الوزراء بمراجعة كل سيارات ذوي الإعاقة من عام 2021، للتأكد من حيازة السيارة للمستحق، تم الاتصال بي اليوم من موظف بالمرور التابع له ترخيص سيارتي، وطلب مني سرعة التوجه والحضور بوحدة المرور للإطلاع على الرخصة ووثيقة ملكية السيارة، والتصوير بجوار السيارة بالوحدة، والتوقيع على إقرار بأن السيارة بحيازتي”. متسائلًا: لماذا كل هذا الذل والإهانة؟، لماذا تُلتقط صورة لي بجانب السيارة وكأنني حصلت عليها مجانًا وليس مقابل مبلغ مالي؟.

يشكو “أحمد” من كثرة قيود البيع، الممتدة لخمس سنوات. يقول: “في رأيي إذا قبض على شخص يمتلك سيارة مخصصة لذوي الهمم وهو ليس من المستحقين، فيجب أن يتم تغريمه قيمة التخليص الجمركي وضريبة القيمة المضافة، بقدر مضاعف، وسحب السيارة وإعادتها لصاحبها، مع تحذيره من بيع الجواب مرة أخرى”.

ترى  الحكومة أن هذا القرار له تأثير إيجابي على أصحاب السيارات من ذوي الاحتياجات الخاصة، لضمان وصولها لهم، في إطار سعي الحكومة لمكافحة التلاعب التي تشهده المنظومة، بسبب استغلال بعض الأفراد ظروف ذوي الهمم، لاستيراد سيارات بأسمائهم ثم بيعها في السوق لتحقيق الربح للبائع والمشتري.

فيما يرى أصحاب السيارات من ذوى الهمم أن هذا القرار بمثابة إهانة لهم ويزيد من الأعباء اليومية عليهم. كما أن حملات التفتيش للتأكد من وجود السيارة أمام منزل المستحق تعكس عدم ثقة المجتمع في هذه الفئة، وتخلق شعورًا بعدم الاحترام والخصوصية. حسب تعبير أحد الأشخاص من ذوي الهمم الذي تحدثنا معه. 

 في حين يرى أشخاص تحدثنا معهم، أن تعمل الوزارة بتوفير دخل يكفل لهم حياة محترمة وكريمة. ويطالبون  رئيس الوزراء بإنشاء وزارة خاصة بشؤون ذوي الهمم، إضافة إلى توفير مكاتب لهم في كل مركز تشبه مكاتب السجل المدني، تكون مهمتها دراسة مشكلاتهم وتلبية احتياجاتهم.

منار بحيري
منار بحيري
صحفية مصرية

Search